روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | ولكن يريد ليطهركم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > ولكن يريد ليطهركم


  ولكن يريد ليطهركم
     عدد مرات المشاهدة: 1847        عدد مرات الإرسال: 0

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6].

الطهارة جنس من الطيبات، ولون آخر منها، ونعمة من النعم المتعلقة بالجسد والروح، فهل هناك ما هو أطيب من الإستمتاع بلقاء الله بعد الإستعداد والتطهر.

على أن الوضوء لا تقتصر متعته على الروح فقط، بل إن فيه أسراراً وحكماً بالغة تتعلق بالجسد، أدركها من أدركها وجهلها من جهلها، بيد أن الكل يعجز عن الإحاطة بها كاملة، أسرار ترتبط بالجسد كما ترتبط بالروح.

فالوضوء يكسر حدة الغضب، ويهدئ الأعصاب، ويجدد النشاط، وهو أساس النظافة الحسية إلى جانب النظافة المعنوية، والقرآن حين يحدثنا عن المتاع الجسدي والروحي يعمل على تكامل وجود الإنسان، والإرتقاء بذاته إلى أعلى المقامات.

والوضوء ككل الأحكام المتعلقة بالروح أو الجسد، أو ما سوى ذلك عبادة لله، ويمثل جانباً من جوانب الدين القويم.

وهو أيضاً يمثل عقداً مع الله أمر بالوفاء به، فالصلاة هي لقاء مع الله ووقوف بين يديه، ودعاء يرفع إليه، ونجوى تبث إلى ذاته الكريمة، وفيها من الأسرار ما لا يدرك جله، وإن ذاق كثيراً منها من عاش في رياضها وأداها كما ينبغي، ولا بد لذلك اللقاء من إستعداد يليق بفخامة وجلالة من سيكون الوقوف بين يديه، فيتهيأ العبد روحياً وجسدياً عن طريق الوضوء والطهارة.

إن الوضوء ليس مجرد غسل لأعضاء معينة من الجسم، إنما هو التزام وإنضباط ونظام محكم، يستلزم من الدقة ما يجعله أكبر من ذلك بكثير، فلا بد من النية ولابد من طهارة الماء ونظافته، ولا بد من الإقتصاد في إستهلاكه، ولا بد من الإتقان في إستعماله، ولا بد من الترتيب والموالاة، ولابد قبل ذلك من ذكر الله، فهو يبدأ بالذكر وينتهي بالحمد.

وما يقال عن الوضوء يقال عن الجنابة أو ما إصطلح على تسميته بالحدث الأكبر، سواء كان بمباشرة النساء أو بالإحتلام، فإن ذلك يستلزم ما هو أكثر وهو تعميم الجسد كله بالماء.

ولأن الله لا يريد الحرج على عباده، ولا يريد بهم عنتاً أو مشقة، إنما يريد لهم الطهارة والسمو، ولأن الغاية الروحية مقدمة على ما سواها في ذلك التوجيه الرباني، فقد جاءت رخصة التيمم المجزئة عن الوضوء والغسل في حال المرض أو إنعدام الماء أو تعذر إستعماله.

ثم ينبغي ملاحظة الأسلوب القرآني وأدبه الرفيع حين يعبر بالكناية عما لا يحسن التصريح به لسبب ما، فهو يعبر عن الحدث الأصغر بقوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء:43].. وعن الحدث الأكبر بقوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43].. فالأول كناية عن قضاء الحاجة، والثاني كناية عن مباشرة النساء.

فلا يقرب المحدث الصلاة حتى يتيمم إذا لم يجد الماء أو تعذر عليه إستعماله، يتيمم بالصعيد الطيب النظيف ولو كان غباراً على حائط، أو حتى على ظهر الدابة، ضربة بكفيه ثم ينفضهما ليمسح وجهه ويديه إلى المرفقين.. وفي ذلك من السهولة واليسر ما يدعو إلى العجب من بساطة أحكام هذا الدين وعظمتها ويسرها.

ثم يأتي بيان العلة بعد ذلك، فهو سبحانه ما أراد إحراج عباده ولا تكليفهم بما يشق عليهم، إنما أراد أن يطهرهم ويتم نعمته عليهم.. مذكراً لهم بإستشعار ذلك والشكر عليه.. {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6].

لقد كان المؤمنون الأولون يجدون حقيقة تلك النعمة في كيانهم، وفي حياتهم، فكانت الإشارة إلى تلك النعمة كافية لبيان حقيقتها الضخمة، وهو ما بعث لديهم الشعور بالواجب والإعتزاز بالنفس وهم يتلقون أدبهم وتوجيههم من ربهم مباشرة.

إن المسلم حين يتوضأ يتخلص من كربه وهمه، ويحس خفة في بدنه، وشفافية في روحه، ونشاطاً عاماً ما كان ليجده أو يحس به قبل الوضوء.

فالوضوء نعمة تستحق الشكر للمنعم، ومنحة ربانية بعيدة كل البعد عن المشقة والحرج، فهي وسيلة للطهر والنقاء، ووصفة ربانية لترميم الجسد والروح معاً.

وهي فوق ذلك عقد مع الله، وأمانة في عنق كل مؤمن مكلف، وعبادة تقرب العبد من ربه، وسلوك حضاري صحي إجتماعي يحمل في طياته الكثير من الفوائد.

وقد حاز من يؤديه فضيلة الذاكرين وثواب الشاكرين.. فانظر كم في الوضوء من المنح والمكارم لم نذكر إلا البعض منها.

فاللهمّ ربنا لك الحمد على ما أنعمت وأفضلت، حمداً يليق بكمالك وجلالك..

الكاتب: محمد المحيسني.

المصدر: موقع ياله من دين.